الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بعد «استقالة» الحاج علي.. و«بلطجة» إسرائيل: هل مازالت هناك دولة تونسية؟ بقلم المنصف بن مراد

نشر في  21 ديسمبر 2016  (09:22)

بقلم المنصف بن مراد

في زمن الترويكا تمّ تدمير ـ وبصفة أدق ـ اضعاف الدولة حتى يستحوذ على السطلة في تونس حزب متشدّد وميليشيات ورئيس كرتوني ومجموعات عنيفة وارهابيّة لا علاقة لهم بالحداثة أو الديمقراطيّة، بل بمشروع ديني متطرف مرتبط بمخطّط اخواني غربي يرمي إلى تخريب البلدان العربية واركاع شعوبها وارجاعهم الى العهود الغابرة.. كانت لنا دولة فأصبحنا «دولة» تحكم قبضتها عليها حكومات الترويكا الخاضعة للأحزاب أكثر من خضوعها لمصالح تونس..

ثم فاز النداء والباجي قايد السبسي في الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة باعتمادهما وعودا كاذبة، وكنت تفطنت لخطورة التحالف بين حزبي الباجي والغنوشي وطالبت  بحكومة من حديد عادلة ووطنيّة يرأسها ضابط وطني وديمقراطي وفي الوقت ذاته يفرض الانضباط ولا يتردّد في محاربة الارهاب والفساد مهما كان حلفاؤهما! وللأسف لم ترق كتاباتي وتحاليلي للأحزاب الحاكمة رغم أنّ كل ما فعلته هو أنّي صدعت بالحقيقة علما انّي لست بالاستئصالي لكنّي أرفض أيّ تأثير للنهضة والنداء في تعيينات وزراء الدّاخلية والعدل والدّفاع كما أرفض كل تأثير لكبار المهرّبين والفاسدين.. من جهة أخرى، كنت ندّدت بالدور السلبي لحافظ قايد السبسي ابن الرئيس المدلل والجاهل سياسيا الذي ساهم في تقسيم النداء واضعافه بعد ان سانده والده مساندة مضرّة بمصلحة تونس..

واليوم أصبح أغلب التونسيين غير مطمئنين علي مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في ظل ممارسات حزبية وقرارات حكومية خاطئة ومجلس نواب خاضع أقرّ ميزانية سلخت الطبقات الوسطى وأبدى عجزا أمام لوبيّات المحامين والأطباء. اليوم وتونس تقودها حكومة السيد يوسف الشاهد هناك بوادر ضعف انطلاقا من احداث قرقنة وتهجمات محام على رئيس الحكومة «ضم فمك خيرلك» ثمّ يهتز الرأي العام على قضية عبد الرحمان الحاج علي المدير السابق للأمن الوطني الذي أقيل (أو استقال) من مهامّه  دون ان يحاط الشعب علما بالأسباب الحقيقيّة لانتهاء مهمّته.. وللتذكير فانّ الحاج علي أضفىنجاعة فائقة على محاربة الارهاب والجريمة المنظّمة، فهل يعقل ان يقبل يوسف الشاهد هذا الأمر ولو انّ صلاحيات رئيس الجمهورية  تخوّل له ـ حسب الدستور ـ تعيين كبار الأمنيين!

ان التونسيين ليسوا بيادق يتلاعب بها الوزراء كما انّ أمن تونس لا يخضع لرغبات أيّ وزير أو حزب أو رئيس دولة! علما ان بعض التسريبات تفيد أنّ الحاج علي رفض تغول أطراف سياسيّة في المسائل الأمنية ومحاولة إخضاع الأمن! انّ الأمر في منتهى الخطورة طالما انّ السلطة السياسية لم تقدم ايّ تفسير مقنع للرأي العام رغم أنّها تعلم علم اليقين انّ الشعب التونسي يريد معرفة الحقيقة خاصّة أنّ كل ما يمسّ أمنه يهمّه كثيرا...

انّ الصداقات والانتماءات والمصالح باتت اهمّ من الحرفية وهذه بداية الكارثة.. وفي هذا السياق أتذكّر انه في بداية أحداث سليمان الارهابيّة سنة 2006 أعلنت الحكومة انّ اشتباكات حدثت بين الأمن وبين تجار المخدّرات وكتبت افتتاحية عنونتها بـ«نريد الحقيقة» واكدت ان المعلومات تفيد بأنّ الأمن التونسي يحاول القضاء على مجموعة ارهابيّة في بلدة سليمان ممّا دفع السلطة الى الاصداع بالحقيقة.. واليوم أطالب الحكومة بكشف النّقاب عن مغادرة عبد الرحمان الحاج علي لمنصبه لأنّ ما قيل غير مقنع!

ثمّ تلت كلّ هذه الأحداث وقضية رأي عام وأقصد اغتيال محمد الزواري في صفاقس وتولّت قناة تلفزية اسرائيلية تغطية الحدث وذلك من خلال أداء زيارة لعاصمة الجنوب تحدث مندوبها خلالها لمواطنين تونسيين كما لو كان في بلاده! فكيف دخل التراب التونسي؟ هل فعل ذلك بجواز سفر مزيف؟ وأما السؤال الأهم فهو كيف تنقّل في تونس وصفاقس بكل حرية وكيف تمكّن من أخذ لقطات عديدة حول اغتيال محمد الزواري دون أن يلاحظ الأمن تحركاته ولم يبحث في الموضوع؟ ثم من سمح له بإرسال الصور من تونس لاسرائيل  إذا رقع ذلك؟ انّ دخول مواطن اسرائيلي لتونس في عملية استفزازية من هذا القبيل يطرح أكثر من نقطة استفهام: هل حدودنا البرية والبحرية وأجواؤنا آمنة وهل وضعت خطّة لمنع الارهابيين التونسيين العائدين من سوريا والعراق وليبيا من دخول ترابنا؟

هناك سؤال أخير وأعتقد أنه مهم: من قتل محمد الزواري؟ إذا تأكد انّ الموساد بعثت بوحدة مختصّة لاغتيال المرحوم فهذه كارثة بأتم معنى الكلمة لأنّ الأمن التونسي لم يقدر على التفطن لها ولم يراقب مواطنا تونسيا على علاقة متينة بحماس التي نظّمت خيمة عزاء في غزة لتقبّل التعازي.
إنّ المخابرات الاسرائيلية ليست ساذجة حتى «تستعمل» تونسيين يقبض عليهم بهذه السهولة كما أعتقد انّ من خطّطوا لهذه العملية الاجرامية لن يقبض عليهم أبدا...

انّ تونس بحاجة اليوم الي حكومة قويّة وعادلة تحرص على أمن البلاد وتحميها من الارهاب والتهديدات وتضمن نموّها لكن الى يومنا هذا لم نلاحظ توفّر عزيمة قويّة بل مصالح حزبية ومنافع شخصيّة قد تؤدّي ببلادنا إلى المخاطر وعدم الاستقرار.